ضوء الإشارة الحمراء صبغ جموع الناس التي تعبر الشارع أمام سيارتي بالخطر المحدق ،
الأنفلونزا ، هذا الفيروس الذي يتلون كالحرباء ،
كلما هممنا بالقضاء عليه هاجمنا بإستراتيجية جديدة ،
هذه المرة يأتي مرتديا قناع الخنازير ،
ترى ، كم سيحصد من البشر هذه المرة ؟
أصوات أبواق السيارات من خلفي تطالبني بالتحرك ،
سيل من اللعنات و السب العلني انهال على أذني ،
آثرت النجاة بنفسي من بطش ألسنتهم ،
فجأة ، وجدت شخصا أمام السيارة ،
رعب سيطر على أوصالي ،
دست بكلتا قدماي على الكابح ،
صرخة العجلات المسكينة من شدة احتكاكها بالإسفلت شقت السكون ،
أخذت أصرخ :
ـ يا لطيف يا لطيف يا لطيف .....
بالكاد لامست مقدمة السيارة أطراف الملابس برفق ،
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
سقط وجهي بين كفي ، تنهدت الصعداء ،
استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ،
رفعت رأسي للتأكد من صدق ما حدث ،
امرأة ؟ غير معقول ، من ؟
( لبيبة الهبلة ) ؟
شعرها الأشعث الطويل يغطي معظم وجهها ،
ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ،
أخذت تركل السيارة ، انهالت علي بكمية لا بأس بها من السب و اللعن ،
دفنت وجهي بين راحتي يدي منتظرا انتهاءها من وصلتها الغنائية ،
فتحت باب سيارتي و نزلت ، لعلها تسكت عندما تراني ،
بالفعل تفاجأت ، صرخت محاولة التبرير :
ـ يعني كده برضه بنات الناس مالهمش قيمة عند سعادتك ؟
ـ معلش يا خالة لبيبة ، سامحيني ....
ـ سامحيني إيه و زفت منيل إيه يا سي الأستاذ ؟ كنت عملت إيه انا بقى بسامحيني دي لما تدوسني ؟ كنت أصرفها م القرافة إن شاء الله ؟
( تدخل أحد الواقفين )
ـ الراجل مش غلطان يا ولية انتي اللي غلطانة ....
ـ و انته مال اللي جابوك ؟ واحد و كان ها يدوس خالته ، مالك انته تدخل ليه ؟ و الا انته متعود تتحشر كده بين الناس و خالاتهم ؟ أما غريبة و الله .
( وضع الرجل يده على كتفي )
ـ يلا يا أستاذ روح شوف حالك ، دي ولية هبلة سيبك منها ...
ـ هبلة يا ابن الاهبل ؟ طب و الله ما هو ماشي ( أمسكت بملابسي ) لما أشوف ها يسمع كلام مين فينا ؟
ـ اشبعي بيه ، مش بيقولك يا خالتي ؟
( انصرف الرجل بينما أخلت هي سبيلي و أخذت تنظف ملابسي من أثر مسكتها )
ـ أديني وسخت لك هدومك أهوه ، عاجبك كده ؟
ـ عادي يا خالة لبيبة و لا يهمك ، تعالي لما أوصلك .
( ذهبنا نركب السيارة و انطلقنا ،
لفت نظرها علبة أضعها بجواري ، تساءلت ببراءة :
ـ دي أكل دي و الا إيه ؟
ـ لا دي كمامات عشان الأنفلونزا بتاع الخنازير ...
ـ دي ايه فلوزة الخنازير دي كمان ؟
ـ فرة كده زي اللي بتيجي للفراخ و البط ، بس دي بتيجي للناس .
ـ طب ما تعملوا زي ما أنا عملت مع البط بتاعي .
ـ نعمل إيه ؟ مش فاهم .
ـ البط بتاعي كان كل ما يخرج م العشة مع بقية البط ، تموت لي بطتين تلاتة ، بعيد عنك كانت فرة و ماشية ، قمت أنا و جاراتي حابسين البط بتاعنا لغاية لما الفرة عدت ، و من يومها ما ماتتش و لا بطة ،
ما تعملوا كده .
( أخذني الضحك ، بادرتها )
ـ نعمل إيه بس يا خالة لبيبة ؟
ـ اللي بيقولوا عليه حصر تجول .
ـ نعم ؟
ـ أيوة ، عشر تيام ماحدش لا يخرج و لا يدخل ....
ـ أيوة ، و الناس تموت بقى لا تاكل و لا تشرب عشر تيام ؟
ـ لا يا ناصح ، كل واحد يخزن أكله و شربه العشر تيام دول ...
ـ و المدارس و المصالح و الناس ؟
ـ وله انته ها تسهبل ؟ ما انتو بتعملوه لما بتبقوا خايفين ع الكراسي ، ساعتها ما بتقولوش لا مدارس و لا مصالح ليه ؟
بص بقى ، انته تنبه على الناس تجهز نفسها من يوم ( نظرت إلى السقف ) 10/10 ، مش برضه اللي جاي ده شهر عشرة ؟
ـ أيوة ، أكتوبر .
ـ أيوة ، من يوم عشرة عشرة ، و تلاته بالله العظيم اللي ها شوفه في الشارع بعدها لموتاه ،
ما اشوفش وش حد فيكم إلا بعدها بعشر تيام ، سامع و الا لأ ؟
ـ حاضر يا خالة ، حاضر ...
ـ نزلني بقى عشان أنبه ع الناس ، انته عاوز الورقة دي ؟
( تناولت إحدى الورقات الموجودة على الكراسي الخلفية )
ـ لا خديها ، بس ها تعملي بيها إيه ؟
ـ ها تشوف دلوقتي ، نزلني بقى .
( توقفت بالسيارة على جانب الطريق ،
نزلت ( لبيبة ) تناولت إحدى العلب المعدنية الملقاة بصندوق القمامة ، أخذت تطرق عليها ، بينما لفت الورقة كالبوق ، و أخذت تنادي من خلاله )
ـ يا أهالي المدينة ،
( تطرق على العلبة المعدنية كالمنادي الذي يملأ حكاياتنا القديمة )
يا أهالي المدينة ،
كل اللي عاوز يخزن أكل أو شرب يلحق بسرعة ،
عشان فيه حصر تجول من يوم عشرة عشرة لمدة عشر تيام ،
عشان الفلوزة بتاع ولاد الكلب الخنازير ،
( تطرق )
و يا ويله يا سواد ليله اللي يخرج من بيته ،
و الحاضر يعلم الغايب ،
( تطرق )
يا أهالي المدينة ، يا أهالي المدينة .....
( أخذ صوتها يتردد في الفضاء )